يستكمل د. سعد الدين هلالى حواره مع السلفى حول المسيحيين ويرد على رسالته، فيوضح أولاً معنى الكفر فى اللغة فيقول «الكفر يعنى الستر ولذلك يسمى أهل اللغة الفلاح كافراً، لأنه يستر الحب والبذور فى الأرض. كما يسمى الدافن كافراً لأنه يستر الميت فى الأرض. وهذا الإثبات عادل لأنه حق مكفول للمخالفين، فغير المسلمين يصفون المسلمين بالكفر والمخالفة من وجهة نظر عقيدتهم. يجب أن نتقبل لفظ الكفر دون كونه سبة، لأن هذا اللفظ يعنى المخالف أو الآخر أو الغير».

يقول السلفى فى رسالته «هم مخلدون فى النار بدليل (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، وسوف يتبرأ منهم المسيح عليه السلام فى الآخرة (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ )، والشريعة واجبة النفاذ ولهذا شرع الجهاد لتغيير النظم المنحية لشرع الله بالقوة (والسيف) (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) أى منقادون لشريعة الخالق.

يرد د. هلالى بقوله: «التخليد فى النار هو عقيدة مشتركة عند كل أهل العقائد لدفع أتباعها إلى عدم الخروج منها، وهى مسألة ترجع إلى مدى قناعة وتصديق المؤمن بدينه الذى اختاره، ولعل من المفارقات أن نجد عدد المسلمين على مستوى العالم ملياراً واحداً أو أكثر بقليل، من جملة ستة مليارات ونصف المليار نسمة، وعدد المسيحيين على مستوى العالم ثلاثة مليارات ونصف المليار، فهل كثرة المخالفين للمسلمين ترجع إلى سوء تبليغ، أم ترجع إلى انعزال المسلمين عن العالم وانغلاقهم على أنفسهم ورفضهم التعامل مع الآخر؟..

أما القول بأن الشريعة الإسلامية واجبة النفاذ فهذا صحيح لمن اختارها لأنه الذى أوجب على نفسه الالتزام بها، أما إلزام الغير بها فهو قهر لإرادته بما يخالف نصوص القرآن الكريم فى حرية الاختيار للدين فى الدنيا، ولا يوجد دليل واحد يلزمهم بشريعتنا إلا إذا جاءوا هم طالبين «فإن جاءوك فاحكم بينهم»، وأعطاهم القرآن الكريم الحق فى هويتهم وأمرهم بما أمر المسلمين فقال تعالى: «وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون».

القول بأن الجهاد شُرع لتغيير النظم المنحية لشرع الله بالقوة والسيف قول يسىء لرحمة الإسلام وعدله. «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وقال تعالى: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين»، ويقول ابن تيمية: «إن جمهور علماء المسلمين قالوا إن هذه الآية نسخت آية السيف، فيحرم قتال غير المسلمين المسالمين وإلا كان اعتداء وعدوانا، وحسبنا قوله تعالى: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا)، وأما الذين يجب قتالهم فهم المعتدون كما قال تعالى: (فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا)، واستدل الجمهور على نسخ آية السيف الواردة فى سورة التوبة بآية سورة محمد: «فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها)، إذ لو كان قَتْل غير المسلمين جائزا لمجرد مخالفتهم شريعة الإسلام لما أذن بالمن على الأسرى أو فديتهم».